رغم تنامي الوعي بشأن الصحّة النفسية في المنطقة العربية، تبقى صحّة الرجال النفسية مهملة. وفي بلادنا، يُتوقّع من الرجل أن يكون قويًّا دائمًا، لا يعبّر، لا يتأثّر… حتى لو كان يرزح تحت الضغوط. ومن الحروب والنزاعات إلى الأزمات الاقتصادية والأدوار الاجتماعية التقليدية، يعاني الرجال في منطقتنا من ضغوط مركّبة غالبًا ما تُترك بلا معالجة، ممّا يؤدي إلى عواقب نفسية وخيمة.
الرجولة التقليدية كعبء نفسي
في مجتمعاتنا، يُربّى الذكور منذ الطفولة على أنّ الرجولة تعني السيطرة، والصلابة، وكبت المشاعر. ويُطلق على هذا النموذج اسم "صندوق الرجل" (Man Box)، وهو يمثل قالبًا صارمًا يفرض على الذكور أن يتصرّفوا بطريقة محدّدة حتى يتمّ اعتبارهم "رجالًا حقيقيين".
التعبير عن الخوف، والبكاء، والاعتراف بالقلق تعتبر "خيانة للرجولة". لذلك، ينمو الذكور وهم يشعرون أنّ العاطفة خطر يجب قمعه، ويكبرون وفي دواخلهم صراعات عاطفية صامتة قد تتحوّل لاحقًا إلى عنف، أو إدمان، أو انهيار نفسي.
حواجز أمام طلب المساعدة النفسية
أمام طلب المساعدة النفسية حواجز عدّة يواجهها الرجل، تختلف مصادرها، إلّا أنّ تأثيرها ينعكس سلبًا على صحّته النفسية والجسدية وعلاقاته الاجتماعية. من أبرز هذه الحواجز التالية:
- الوصمة الاجتماعية: طلب الدعم النفسي يُعتبر "ضعفًا" أو "فشلًا في الرجولة".
- غياب المرافق المناسبة: معظم خدمات الصحّة النفسية لا تأخذ بعين الاعتبار التجربة الذكورية الفريدة.
- الخوف من الحكم والسخرية: يشعر الرجال أنّ مجرّد الحديث عن مشاعرهم قد يُفقدهم احترام الآخرين.
قبل أن تعتني بأطفالك… اعتنِ بنفسك
لا يستطيع الأب أن يكون داعمًا حقيقيًا لأطفاله ما لم يعتنِ بصحّته النفسية أوّلًا. إليك بعض الخطوات الأساسية:
- اعترف بمشاعرك: لا تُنكر القلق أو الحزن. الاعتراف هو الخطوة الأولى نحو التوازن.
- تحدّث مع من تثق فيه: صديق، مختصّ نفسي، أو حتى شريك. الحديث يحرّر التوتّر.
- خصّص وقتًا لنفسك: حتى لو عشر دقائق يوميًا. التنفّس، والرياضة، والتأمّل أدوات فعّالة.
- ضع حدودًا واضحة للتوتّر: لا يجب أن تكون دائمًا "البطل الصامت". قلْ "لا" عند الحاجة.
- انتبه لنومك وغذائك: الصحّة الجسدية تدعم الصحّة النفسية.
- كن نموذجًا في الرعاية الذاتية: ليعرف أطفالك أنّ العناية بالنفس ليست أنانية بل ضرورة.
توصيات عملية للآباء في دعم الصحّة النفسية لأطفالهم
الآباء هم نقطة البداية في كسر النمط التقليدي السائد. إليك ما يمكن للآباء فعله لدعم الصحّة النفسية الإيجابية لأبنائهم:
- كن نموذجًا في التعبير عن المشاعر: البكاء، أو القلق، أو التعبير عن الخوف أمام طفلك يُعلّمه أن العاطفة ليست ضعفًا.
- استمع من دون إصدار أحكام: شجّع طفلك على الحديث، ووفّر له بيئة آمنة للتعبير.
- أعد معه تعريف الرجولة: تحدّث معه عن أنّ الرجولة تعني الصدق، والاحترام، والتعاطف، لا العنف والكتمان.
- لا تكرّر العبارات المؤذية: مثل "الرجال لا يبكون" أو "تصرّف كرجل"، فهي ترسّخ الخوف من الضعف.
- شارك طفلك اللعب واللحظات العاطفية: احتضان طفلك، قراءة القصص له، وقضاء وقت عاطفي معه يقوّي صحّته النفسية.
- كن صريحًا بشأن الحاجة إلى المساعدة: علّم طفلك أنّ طلب المساعدة قوّة وليس ضعفًا.
الصحّة النفسية للرجال هي مرآة لصحّة المجتمع بأكمله. كسر الصورة النمطية للرجولة لا يُضعف الرجل، بل يُعزّز إنسانيّته، ويجعله أكثر قدرة على العطاء والتواصل. آن الأوان لإعادة صياغة الرجولة بما ينسجم مع الواقع الإنساني، وليس بما يفرضه الخوف من الأحكام المجتمعية.